• فيلم الثلاثة يشتغلونها - حبر أون لاين

فيلم الثلاثة يشتغلونها .. أنْ تكون أنت

فيلم “الثلاثة يشتغلونها” بطولة “ياسمين عبد العزيز”

إخراج: علي إدريس

تأليف: يوسف معاطي

فكرة فيلم “الثلاثة يشتغلونها”

     أنْ تكون أنت في مجتمعٍ كلُّ من فيه يرفض ذلك ليس بالأمر السهل، ذلك لأنّ المجتمع وأفراده يمتلكون منظومة ضيقة يريدون حشرك فيها لتناسبَ آراءهم وتوجهاتهم.

فلا بدّ من أنْ تخوض الحروب لتتعلّم قول كلمة “لا”، لتصنع لنفسك عالمًا واتجاهًا هما أنت، ولتختار مذهبك في الحياة الذي يناسبك ويقنعك.

ملخص أحداث فيلم “الثلاثة يشتغلونها”

     يبدأ فيلم الثلاثة يشتغلونها بمشهد البطلة “نجيبة متولي الخولي” تستعدّ للذهاب لأوّل امتحان لها في الثانويّة العامّة.

تنجح “نجيبة” في الثانويّة العامّة بنسبة (101%)، فتظهر عدّة مواقف تبيّن جهل “نجيبة” بكل ما هو خارج الكتب الخاصّة بالمدرسة.

فهي تجهل من هو مدير التربيّة وما هو برنامج “صباح الخير يا مصر”، وتبدو في حيرة حول طبيعة الأسئلة التي ستطرح عليها في البرنامج لأنّ هذه الأسئلة من خارج الكتاب وهي لم تحفظها.

     يظهر في الفيلم والد “نجيبة” العاملَ الأوّل والرئيس في حجب ابنته عن فهم الحياة، ويرسّخ في ذهنها مسألة الحفظ الأصمّ، فما يهمه أولًا وأخيرًا هو نجاحها الدراسيّ بمعدل عال.

     تدخل “نجيبة” قسم الآثار، وقد حمّلها كلٌّ من والدها ووالدتها نصائح مختلفة وأكّدا عليها الالتزام بها؛ فوالدتها – كأكثر الأمّهات- تريد أن تزوِّج ابنتها، لكنّ والدة “نجيبة” ترغب بعريس غنيّ لابنتها يغيّر حياتهم البائسة.

أمّا والدها فقد أراد لها أنْ تهتم بدراستها كما عهدها دائمًا وأنْ تركِّز على هدف رسمه هو لها بأن تصبح رئيسة الجامعة.

     تبدأ في الجامعة بالتعرّف إلى العالم خارج البيت والحيّ الضيق الذي كانت تسكنه، وتبدأ بمواجهة هذا العالم الجديد بخبراتها الحياتيّة شبه المعدومة.

وتقابل نماذج مختلفة من الناس، يحاول كلٌّ منهم تصدير آرائه لها، وتنجرف “نجيبة” مع كلِّ من يدخل حياتها، فتتعرّض في كلّ تجربة لمشكلة تنتهي بدخولها قسم الشرطة.

     كانت أولى هذه التجارب مع “نبيل الصفدي” زميلها في الكليّة، فقد حاولت “نجيبة” بتدبير من أمّها التقرّب منه بهدف الزواج من شاب غنيّ ينتشلهم من فقرهم.

وفي غمرة ذلك تغيّر “نجيبة” لباسها وأسلوب حياتها لتنال قبول “نبيل”، لكنّ “نبيل” يستغلّ سذاجتها واجتهادها في دروسها ليتسلّق على جهودها، وينجح، ثم يخطب زميلة غيرها تناسب طبقته الاجتماعيّة، وعندها تثور ثائرتها تتهجّم عليه وعلى خطيبته، وتنتهي القصة في قسم الشرطة.

     ثاني هذه التجارب كانت مع “خالد أبو زيد” الذي ملأ رأسها بأفكاره التحرريّة والثوريّة، وبيّن لها دفاعه عن حقوق الإنسان والطبقات الكادحة.

تصدّقه “نجيبة” كعادتها، وتنجرف معه وتخرج في مظاهرة احتجاجيّة بكلِّ جهل، وتنتهي أيضًا في قسم الشرطة، فيتخلّى عنها ويدّعي عدم معرفته لها ولبقية المتظاهرين، ويتركها تواجه مصيرها وحيدة.

     التجربة الثالثة عندما أرادت “نجيبة” أن تلجأ إلى الدين ملاذًا من تجاربها المريرة، فتصطدم بالداعية الشيخ “عامر حسّان”.

يحاول “عامر حسّان” استغلال قدراتها في الحفظ ليستخدمها في قناته التلفازيّة لتقديم برامج تخصّ الدعوة الإسلاميّة.

كما أصدر لها فتوى أنّ دراستها في قسم الآثار حرام بعد أن استفتته في ذلك، ممّا جعلها تُقدم على تخريب الآثار في الكليّة، فتُفصَل بجرمها هذا من الجامعة لمدة سنتين، ويتخلّى عنها الشيخ “عامر” وينفي صلته بفعلها هذا، ثمّ يطردها من القناة ومن حياته.

      كلُّ الشخصيّات المرتبطة بحياة البطلة “نجيبة” تمتلك رؤيا خاصّة أو اتجاهاً وتحاول فرضه عليها.

و”نجيبة” بتجربتها الضحلة في الحياة وسذاجتها تتبنّى كلَّ ما يُملى عليها، وتتعرّض بسبب ذلك لمشاكل تترك آثاراً نفسيّة سلبيّة وقاسيّة فيهاـ

النهاية

     يقدّم فيلم الثلاثة يشتغلونها رسالته واضحة في حديث والد “نجيبة” لها بعد مرورها بكلّ تلك التجارب عندما يقول لها:

“أنت ما غلطتيش، أنا الي غلطت في حقّك، الذنب ذنبي أنا، كان كل همي أنك تفضلي الأولى، خليتك حافظة مش فاهمة، ونسيت أوعيّك أن الدنيا زي ما فيها الكويس فيها الوحش، وعشان تقدري تميّزي بين الصح والغلط لازم تفهمي، وتشغلي مخك، ويبقى لك رأيك وشخصيّتك، وتقدري تعتمدي على نفسك، أنا عارف إنك في محنة، بس أنا المرّة دي حسيبك تتصرّفي، وكتاب الله ما حقولك على أيّ حاجة تعمليها، وأنا واثق يا نجيبة واثق إن أنت حتختاري صح، وتعوضي كلّ الي فاتك”.

فالإنسان يحتاج مساحة من الحريّة تجعله يخوض تجارب الحياة ليحكم عليها ويتعلّم منها فتتبلور شخصيته وتتّضح معالمها وتتحدّد اتجاهاته ومواقفه.

     عندما تتحرّر “نجيبة” فكريًّا تسعى هي أيضًا إلى تحرير الآخرين (طلابها الصغار)، فتلغي لهم فكرة الحفظ الأصم، وتعيد توجيههم بشكل صحيح، فتجيبهم عندما يسألونها ماذا نعمل؟”، بقولها: “نشوف، نحسّ، نفهم”، فالحريّة لا تمنحها إلّا العقول المتحرّرة حقيقةً.

(كلمة) لا بدّ منها

 تبعيّة المرأة في المجتمع العربيّ

     اختار فيلم الثلاثة يشتغلونها شخصيّة البطل امرأة لأنّ الثابت في المنظومة الجمعيّة لمجتمعنا أنّ المرأة -دائما- تابعٌ لغيرها.

يَسهُل تطبيعها وتصدير الأفكار الجاهزة والقوالب المسبقة الصنع إليها، فـ “نجيبة” كانت ضحيّة الأسرة أولًا، ثمّ المجتمع الذي خرجت إليه واصطدمت به في الجامعة ثانيًا.

     نجد “نجيبة” منذ اليوم الأوّل لدخولها الجامعة تبدو قلقة ومهزوزة، تدخل وفي رأسها صوتان يتنازعانها؛ صوت والدها الذي يؤكّد عليها الالتزام بدراستها لتصل إلى كرسي رئاسة الجامعة، وصوت والدتها التي تحثّها على البحث عن عريس غنيّ ينتشلهم من فقرهم، هذان الصوتان كانا السبب الحقيقيّ وراء تعطيل تفكير “نجيبة” وانقيادها للآخرين.

كلمة أخيرة

     نلحظ ممّا تقدّم أنّ فيلم “الثلاثة يشتغلونها” حملّ قيمًا فكريّة عميقة لكنّه جاء بإطار كوميدي خفيف، وربما طغيان الجانب الكوميدي -أحيانًا- أثّر على سرعة وصول هذه القيم إلى المتلقّي كما أثّر على تقييمها التقييم الذي تستحقه.

لكن في الوقت نفسه لاقى الفيلم قبولًا واستحسانًا عند جمهور الكوميديا والجمهور الذي يهتمّ بالفكر، أمّا أنا فإننّي أتسامح -دائمًا- مع الشكل –إذا كان مقبولًا- لحساب المضمون.

     وظّف فيلم الثلاثة يشتغلونها الأطفال توظيفًا خدم الفكرة الرئيسة له، فالأطفال أيضًا كانوا تابعين لفكر مُعلِّمتهم، فنراهم مع كلِّ تيّار تنجرف إليه المُعلِّمة يغيّرون لباسهم وطريقة كلامهم وتوجّههم.

لكنّ المُعلمة أخيرًا تفهم أنّ الجيل القادم يستحق أن يأخذ فرصة مختلفة عمّا صُدِّر لها ولغيرها من أبناء جيلها وما سبقهم.

فتعمل على تحريرهم فكريًّا، ليكتشفوا العالم الخارجي بأنفسهم، ليتمكّنوا من الحكم عليه بخبراتهم وتجاربهم الخاصّة.

ويختم الفيلم بجملة “نجيبة”: “أنا ولا يهمني أنت ولا أنت، أنا يهمني دول”، وتشير إلى الأطفال.

     بيّن فيلم الثلاثة يشتغلونها عيوب ثلاثة نماذج من اتجاهات مختلفة من باب الواقعيّة والتعميم، لكنّ المؤسف أنّ صورة الرجل المتديّن أو الداعية دائمًا تظهر بصفات المدّعي المزواج.

****

بحبر: د. أمينة الحمد

تدقيق لغوي: نور رجب

تصميم غرافيك: فريق حبر غرافيك

****

واقرأ أيضاً في حبر فن:

فيلم تراب الماس .. هل العدالة الفردية هي الحل؟

فيلم صاحب المقام.. يسرى وآسر ياسين في حضرة الروح والإيمان

****

تابع حبرنا عبر

twitter    instagram   facebook

لا يوجد تعليقات