• الزخرفة - حبر أون لاين

الزخرفة بين الفن والعلم .. أنواعها وتاريخها

الزخرفة هي فن يتخذ من التناظر والتقابل والتناسق بين جملةٍ من النقاط أو الخطوط أو الأشكال الهندسية أو الرسوم الحيوانية والنباتية عنواناً له.

وقد تتداخل فيما بينها كلمات أو جمل أو عبارات متناظرة، لتتجسد في شكل فني جميل، وتُستخدم لتزويق الأبنية والأواني والملابس والمساجد والكنائس والمدافن والنقود والعملات والقصور فضلا عن تزيين بعض أعلام الدول.

الزخرفة، وتطورها في الوعي الإنساني

اصطحبت الزخرفة الإنسان منذ ما قبل التاريخ، وكانت سمة من سمات العصور كافة، وتُعد مرآة للحضارة التي صنعت فيها، وقد عكست أنظمة الأمم المتلاحقة عبر أنماط الحياة والمعيشة والعادات والتقاليد.

وهذا يعني أنها عدّت إحدى الطرق لمعرفة تاريخ الشعوب السابقة ومدى تطورهم، ومدارك تعمّقهم الفكري والديني والمعرفي ومدى تحضّرهم ومدنيّتهم.

أما هداية الإنسان في عصور ما قبل التاريخ إلى فن الزخرفة، فيعود إلى أنه كان وقتئذ يعيش على الفطرة، فضلاً عن أن اهتماماته كانت لا تتخطى هموم الحياة المعيشة يومياً، وشؤون المأكل والمشرب.

ونشأة الزخرفة الفطرية ظلّت ردحاً طويلاً. فما يفكر فيه الإنسان، أو يهتم به كان يجسده بالزخرفة، وقد رسم وقتها ونقش وزخرف بعض الأنماط البدائية من خطوط ونقاط ورموز.

وحين تملّك الإنسان الشعور القوي بوجود قوى خفيّة محرّكة في الطبيعة، ومسؤولة عن تسيير الكائنات من حوله وتغيير تقلبات الطبيعة أيضاً، تغيّرت أنماط الزخرفة والنقوش، وبدأ برسم الحيوانات والنباتات وبعض الظواهر الطبيعية وقتها، أي أنه بدأ برسم هواجسه ومعتقداته وأفكاره حول الطبيعة والأشياء من حوله.

ومع زيادة وعي الإنسان، وتقدّمه معرفياً وحضارياً، بدت فكرة الزخرفة ملحّة عليه، لتتملكه الرغبة في التزيين، فاستعمل الزخرفة في تزيين الكهوف والمغارات ووشم الأجسام.

كما زيّن الأواني والأدوات التي يستعملها والملابس التي يرتديها برسوم وزخارف ونقوش مختلفة، وكانت غايته حينئذ إظهار جانب التجميل والتزويق والتزيين على مجالات حياته.

التعبيرات الزخرفية الثمانية

تستعمل في الزخرفة تعبيرات تنقسم من زاوية الوصف والمعنى إلى ثمانية أنواع، وهي:

١- التعبيرات البدائية

وهي التعبيرات الفطرية السابقة التي رافقت إنسان ما قبل التاريخ، وتألفت من عدة نقاط وخطوط ورسومات بدائية ساذجة فطرية.

٢- التعبيرات الرمزية

وهي الزخارف التي تخصّ القوى الخفية المتحكمة في تقلب الطبيعة، بمعنى أنها تمثّل الإلوهية، وقوّة الطبيعة والسحر وكل ما فوق المرئي أيضاً، استعملها الإنسان حين استشعر وجود قوى خفيّة تتحكم في مظاهر الطبيعة، فبدأ يتقرّب إليها بتعبيرات زخرفية، حيث رمز إلى الشمس بدائرة في وسطها نقطة، كما تمثلت في رؤيته، ورمز إلى الجهات الأصلية بقطرين متعامدين في دائرة واحدة.

٣- التعبيرات الرمزية

استعملها الإنسان الأول ليعبّر بكلمات رمزية خاطفة عن جملة من الأفكار المحددة كالكتابة الهيروغلوفية والصينية، وكانت تقتصر في بداياتها على رسم نهر أو جبل أو طير أو حيوان أو إنسان.

٤- التعبيرات الحيوانية

استخدمها إنسان ما قبل التاريخ على جدران الكهوف، ليصور بها بعض الحيوانات التي كانت تصادفه في الطبيعة، أو تلك التي  يحاول اصطيادها.

كما اتخذت بعض القبائل البدائية شعارات لها متمثلة برسوم للحيوانات أو الطيور الجارحة، كالتنين والعقاب والنسر والخنزير والكلب.

٥- التعبيرات الهندسية

وتتكون هذه الزخارف من نقاط معينة وخطوط وأنماط هندسية من مربعات منتظمة أو دوائر متقابلة، أو مضلعات متداخلة ومتجانسة فيما بينها للحصول على تصويرات زخرفية هندسية.

٦- التعبيرات المشوّشة

وهي عبارة عن أنماط وأشكال رمزية لا تحكمها تقابلات تناظرية أو هندسية، بل تشكل مجموعة من الرموز غير المترابطة وغير المنسجمة بالتناظر أو التقابل فيما بينها.

وقد اشتهر هذا النوع من الزخرفة، واستخدم على نطاق واسع في أوروبا ولا سيما في فرنسا في عهد لويس الخامس عشر، وأطلق عليه لفظ (STYLE).

٧- التعبيرات النباتية

تتخذ هذه التعبيرات من الزخرفة النباتية سمة لها، من مثل الزخرفة النباتية على سجادة مثلاً..

حيث تستعمل في الزخرفة النباتية رسوم لأشكالٍ كثيرة من النباتات والورود والأزهار كالقرنفل والكرز والرمان وزهرة التوليب والسوسن والنسرين. وتتألف من الأغصان والسيقان والأوراق، أي تجسد النباتات فيها بطريقة تصويرية.

٨- التعبيرات التجريدية

ويقصد بالتعبيرات التجريدية تلك الزخارف التي تهتم بتجريد التصوير من الواقع، والمقصود به هنا التعبير عن أشياء واقعية برسومات أو رموز تشبهها وتقابلها في المعنى والتأويل.

القواعد والأسس المتّبعة في الزخرفة

توجد مجموعة من القواعد المحددة لفن الزخرفة، من أهمها:

– التناظر في الزخرفة

حيث تستند الزخرفة إلى الوحدات النباتية، ويظهر الشكل المتشعّب منه مجموعة تناظرية متقابلة وتنطلق من نقطة في الوسط.

– التوازن

ولعله من أهم قواعد الزخرفة الأساسية، إذ ينبغي أن يكون التوازن موجوداً في كل تشكيل زخرفي أو عمل فني زيتي.

وهو الذي يعبّر عن التنظيم الفني المتكامل عبر جودة تقسيم المكونات والعناصر والوحدات والألوان والأشكال.

وهو نظام مستمد من معطيات الطبيعة بما تضمّه من علاقات ذات معطيات محددة بدرجات لونية في علاقات متّزنة فيما بينها.

– التشابه أو التماثل

تقوم بعض الزخارف على التماثل، حيث يتشابه نصفها مع نصفها الآخر عبر مستقيم يُسمّى المحور وهذا التشابه ينقسم إلى نوعين:

-التشابه النصفي

يشمل الزخارف التي يكمل أحد نصفيها النصف الآخر في اتجاه متماثل، وأبرز هذه الزخارف الزخارف الطبيعية.

-التشابه الكلي

حيث يتكامل التشكيل من عنصرين متشابهين حرفياً في اتجاه عكسي.

– التشعّب

يتضمّن التشعّب نوعين

١- التشعّب من نقطة واحدة: وفيه تبدأ خطوط الوحدة الزخرفية من نقطة محددة من الداخل إلى الخارج.

٢- التشعّب من خطّ واحد: وفيه تنبثق الأشكال والوحدات من خطوط مستقيمة أو منحنية من جانب واحد أو من جانبين من مثل سعف النخيل، وانسياب الأوراق من فروعها، ونمو الفروع من السيقان، والسيقان من الجذوع في تتبع للزخرفة النباتية.

– التناسب

يتمثّل التناسب في الزخرفة بتناسب كل جزء للآخر، ويعد من أهم أسس الجمال في الزخرفة، وليس له قاعدة محددة، إنما يتوقف على الذوق الفني، وقوة الملاحظة، ودقة التمييز.

– التشابك

يظهر هذا النوع من الزخرفة في الزخارف العربية خاصة، على هيئة دوران والتفاف عادي، أو التفاف حلزوني، أو التفاف ساقين من النبات بطريقة متعاكسة.

– التكرار

يعد التكرار من أهم أسس الزخرفة، ويوجد في الزخارف الطبيعية مثل أغصان الأشجار، والتكرار من أبسط أسس تشكيل الزخارف. وينقسم إلى التكرار العادي والمتعاكس والمتبادل:

١– التكرار العادي: وفيه تقترب النقاط الزخرفية في وضع ثابت متناوب.

٢- التكرار المتعاكس: وفيه تقترب النقاط الزخرفية في أنماط متعاكسة أحياناً إلى أعلى وأحياناً إلى الأسفل، أو من اليمين إلى اليسار.

٣- التكرار المتبادل: وهو استعمال نقطتين زخرفيتين مختلفتين في اقتراب وتوالي الواحدة تلو الأخرة ويسمى أيضا بالزخرفة التعاقبية أو التناوبية.

يمكن أن نلخص مقالنا بأن الزخرفة كا لها أصل وتطور في الوعي الإنساني؟ وشملت تعبيرات زخرفية متنوعة، ومع الوقت تم وضع القوانن والأسس لها لتكون منظمة وأقرب للعلم.

****

بحبر: د. أمينة الحمد

تدقيق لغوي: نور رجب

تصميم غرافيك: فريق حبر غرافيك

****

واقرأ أيضاً في حبر فن:

فيلم تراب الماس .. هل العدالة الفردية هي الحل؟

فيلم صاحب المقام.. يسرى وآسر ياسين في حضرة الروح والإيمان

****

تابع حبرنا عبر

twitter    instagram   facebook

لا يوجد تعليقات