• تقوى مليّس - حبر أون لاين

ترانيم في كواليس الحرف .. قراءة لمجموعة خواطر ” تقوى مليّس “

تقوى مليّس .. عندما يمسك الكاتب بقلمه فهو يعقد عقدة من خيال معبّرٍ بين حبر هذا القلم وبين مجموعة أحاسيسه وتجاربه الّتي صاغت فِكره ورؤاه على مرّ الأيّام.

وما يكتبه هذا القلم من شعر أو نثر وخواطر يقدِّم عن طريق الكلمات جملة أحاسيس ومواقف يريد الكاتب من ورائها إيصال فكرة للقارئ، وفائدة إضافة إلى متعة التّذوّق الجمالي للكلمات.

و تقوى مليّس حين أمسكت بقلمها تركت له حريّة التّجوّل في أعماقها لينتقي لنا مواقف ومشاعر تكشف عن ذوق رفيع ووعي كبير بالماضي والحاضر.

وفي قراءة لمجموعة خواطر بقلم تقوى مليّس يمكننا الغوص معها إلى تفاصيل جميلة تضيء كالنّجوم وراء ستار الحروف.

حيث تتجلّى في خواطر تقوى مجموعة من السّمات الّتي يمكننا ملاحظتها من خلال نماذج هي (ماردي الأليف)، (فراشة بين سرب من النّوارس)، و(وحدي أنا لا تراني).

فعلى اختلاف الموضوعات المطروحة في هذه الخواطر إلّا أنّه توجد فيها -وفي خواطرها عامّة- سمات مشتركة تتمثّل في:

شفافيّة التّفاؤل في خواطر تقوى مليّس :

فمهما كان السّواد حالكاً والموقف في أشدّ صعوباته سواء من خيبة عاطفيّة أو من حيرة أمام صعوبات اجتماعيّة يبقى هناك وجود للتّفاؤل تنثره بين كلمات الخواطر فتقول:

لم تنجُ الطّفلة فيني

ولم تمت تماماً.. بعد   

فالطّفولة كما هي رمز للبراءة والصّفاء والنّقاء وعنفوان الحياة وظّفتها تقوى للدّلالة على بقيّة باقية من التّفائل في نفسها المحطّمة عندما زادت عليها بتعبير (لم تمت تماماّ.. بعد).

ورغم كلّ ما صوّرته من رغبة بالامتلاك والحب أفصح عنها لسان المتحدّث في خاطرة (وحدي أنا لا تراني) ورغم الإدراك الكامل لعدم قدرته على امتلاك هذا الحبّ، لم تترك التّفاؤل يفلت منها فقالت:

الدّنيا ملك لمن لا ينتمي لها

أؤمن بهذا..

لستِ لي

لنمضِ إذاً مسافة عناق واحد

فهذا التّصريح الواضح بعبارة (لستِ لي) لم يأتِ بعده انهزام أو تشاؤم، بل جاء مصحوباً بتفاؤل جميل عندما قالت:

(لنمضِ إذاً) ولو كانت المسافة قريبة قرب عناق واحد لكنّ الأمل موجود والحياة ماضية.

رمزيّة الأضداد:

نقول في النّقد “وبضدّها تتميّز الأشياء” إذ يورد الكاتب في سياق نصّه عبارات متضادّة أو مفردات متضادّة ليبرز جماليّتها أو يضيف إلى معناها عمقاً ودلالة.

فأمام مجموعة من العادات والأفكار الموروثة من المجتمع الّتي تسمح وتمنع، وتضع القيود في كثير من الأحيان، لم تصوّر تقوى مليّس هذا الأمر بحال المتباكي الحزين، أو المتمرّد الصّارخ فقط، بل لجأت إلى الأضداد عندما قالت:

يقطن في دهاليز مخيّلتي مارد مرعب أليف

فقد جمعت بين المارد المرعب والألفة، فالمارد هنا هو رمز لكلّ تسلّط من أفكار أو عادات يكتسبها المرء من بيئته، وقد تشكّل له عائقاً أمام الكثير من رؤاه وطموحاته.

والمارد كما نعلم هو أسطورة خرافيّة لا وجود لها واقعيّاً، فكيف له أن يكون أليفاً ساكناً في المخيّلة ومتعشّشاً فيها؟

وما ذلك إلّا لأنّه رمز على أمور غير واقعيّة لكنّها في الوقت نفسه مألوفة ومسيطرة على مساحة من التّفكير.

وهذا المارد اعتمد في تفكيره على الأضداد أيضاً عندما أجاب عن استفسار (ما الذي يشغلُ تفكيرك؟):

فقال:

الموت.. وما بعده

الحياة.. وما قبلها

فثنائيّات الموت/ الحياة، بعد/ قبل لخصّت بتضادها كلّ ما قد يمرّ به الإنسان أو يواجهه في حياته من صعوبات أو تحدّيّات في حاضره أو ماضيه أو مستقبله.

براعة التّصوير:

تنتقي تقوى مليّس عبارات ناصعة لتنسج معانيها من خلالها، محمّلة هذه الكلمات جملة من المعاني والحكم، فتقول معبّرة عن بياض ناصع لزهرة الياسمين:

ياسمينة ضئيلة الحجم ملقاةٌ على الرّصيف

تنزفُ أبيضاً ..

فاستعارة النّزيف للون الزّهرة أعطى قوّة تعبيريّة عن شدّة بياضها ونصاعتها.

وتقول:

أزيدُ عن العشرين بثلاث سنواتٍ عجاف

استعارت لفظ “عجاف” لهذه السّنوات لكي تصف صعوبتها وجفافها، فاختصرت بهذا التّصوير ما يمكن أن يُقال بكلمات كثيرة، فأحسنت الاختيار والتّوظيف.

وفي قولها:

كانت السّنوات تتغذّى عليّ

فتكبر هي وآثارها على جسدي

وأصغر أنا وكدماتها في الرّوح

يعكس تشخيص السّنوات معنىً يعبّر عن صعوبتها وعن تراكماتها على روح الإنسان وجسده في كلّ ما يمرّ به.

وما يكبر فعليّاً ليس السّنوات وإنّما هي الذّات بكلّ جروحها وأزماتها، لكنّ هذه الاستعارة جعلت من التّعبير أنصع ومحمّلاً بعمق الدّلالة بشكل أكبر.

فتقوى إذاً عندما أمسكت بقلمها وجعلت حبره يتدفّق أرادت له أن يعبّر فأجاد، وأحسنت معه توظيف المعاني وما تزال الفرصة كبيرة أمامها لينضج قلمها أكثر ويعطي عمقاً وشموليّة أكبر في تعبيره.

****

الخواطر كاملة:

فراشة بين سرب من النوارس

ماردي الأليف

وحدي أنا لا تراني

****

إعداد: نور رجب.

تصميم غرافيك: ديمة عدل.

****

واقرأ في حبر أدب:

جبران ومي.. الحب الصوفي السّامي

أحمد خيري العمري.. مزيج من الإبداع بلمسة راقية

أوراق نضرة.. نماذج من شعر الهايكو بين أصله الياباني وحضوره العربي

فضيحة تؤجّل جائزة نوبل للآداب لهذا العام

التّبراع .. مذهب الموريتانيّات في الحبّ

طفل الرّماد .. قراءات في نشأة شعر الهايكو الياباني وحضوره في الأدب العربي

جائزة البوكر للرّواية العربيّة .. أصلها ومن فاز بها

أديبات كسرن حاجز النّسويّة.. فكيف تجاوزن حاجز الأدب النّسوي

****

تابع حبرنا عبر

twitter    instagram   facebook

 

التعليقات غير مفعلة