• خرفان - حبر خيال

خرفان العيد السّعيد

عدت إلى المنزل بعد تعب أنهكني طوال اليوم من أجل استخراج ورقة لأخي المسافر يستطيع من خلالها العودة وقضاء العيد مع العائلة الكريمة في الوطن.

طال طريقي وتذكّرت ما كانت تحدّثني به زوجته قبل ليلة.. “مشتاقة مشتاقة لمائكم وهوائكم”

أجبتها بلهجة ساخرة: أبعتلك كيس هوا وقنينة مي من عنا بالشحن 😁

الحساب خانم .. قالها السّائق لي

يبدو أنّني أطلت التّذكّر فوصلت وأنا شاردة الذّهن

ترجّلت من التكسي وأنا أشتمّ رائحة نتنة من بداية الشّارع حتّى وصلت أمام بنايتنا، كان هناك صراخ يتعالى بين الجيران والكل يضع يده على أنفه ويتكلّم كلامه كلّه بحرف الميم 👃

ترى ما المعضلة؟؟ .. سألت نفسي

دخلت المبنى والرّائحة تقترب منّي أكثر فأكثر

كان أحد الجيران قد ذبح خروفاً أمام بناء بيتنا كان قد نذره لأجل طفله الصّغير الّذي نطق باسمه قبل اسم زوجته -_-
وكانت الزوجة قد نزلت ووقفت بصف جيرانها على نتانة الرّائحة..

يبدو أنّها أخذت موقفاً لئيماً من زوجها 😈

ما ذنب ذلك الخروف المسكين حتّى يكون نذراً لمثل هذا السّبب -_-
صعدت إلى المنزل، دخلت ورويت لأمي ما رأيت..

ذكّرتني أنّه بقي أسبوع فقط للعيد وأنّها يجب أن تقول لأبي ليحدّث ذلك الجار فلا يكّرر فعله هذا أمام البناء أثناء أضاحي العيد.

دخلت غرفتي وسرحت بخيالي الطّفولي……..

ترى ما هو شعور خرفان العيد الآن وقد بقي أيام معدودة لذبحها؟؟

تذكّرت قصّة جدّتي الّتي كانت تسردها عليّ عندما كنت صغيرة قبل أن أنضج وأكتشف أنّها محض قصّة من خيالها الخصب.

التفتّ إلى نفسي وعرفت أنّني أخذت الخلافة من جدّتي في نفس ذات الشّيء 😁

كانت تحدّثني عن “المرياع” ذلك الخروف حديث الولادة الّذي كان يؤخذ ساعة ولادته دون أن يرى والدته ويُذهب به إلى حمارة لتقوم بإرضاعه فيكبر ويكبر ويظنّ أنّها أمّه.

وبهذا لا يقوم الرّاعي بقصّ صوفه ولا أذنيه ويقوم بتعليق جرس حول رقبته فيصبح شيخ الخرفان ويسمّى بالمرياع يقوم بلحاق الحمارة الّتي أرضعته ظنّاً منه أنّها أمّه وبشكله ذاك كانت خرفان القطيع تقوم بالّلحاق به على أساس أنّه القائد وهكذا يرتاح الرّاعي من عملية “هش الخراف” فترعى لوحدها

أعتقد أن لتلك القصة شىء من الحقيقة.

ترى هل كانوا يعلمون أنّ نهايتهم أضحية في العيد؟؟

جاء العيد..

استيقظت على صوت خروف جارنا الذي كان قد أحضره قبل يوم من العيد ليقوم بذبحه في الصباح
ماااااااع..
شعرت أنّه ينادي عليّ كي أقوم بتحريره وإنقاذه من الذّبح

أنّبني ضميري لعدم قدرتي على فعل شيء لذلك الخروف .. ليتني أغطّي له عيونه كي لا يتمكّن من رؤية السّكين.
قام الجار بإنزاله بصعوبة ليبدأ مراسم الذّبح كان الجزّار يجهّز سكّينه حتّى يقوم بذبح جميع الأضاحي..

ما لفت نظري حينها هو أنّه يبدأ بذبح أول خروف ولا يأخد بعين الاعتبار رؤية بقية الخرفان لذلك، فتثور وتهيج وتمأمأ وكأنّها تستنجد بأحد لينقذها من هذه الفاجعة 😱

وهو مستغرق في عمله متجاهلاً شعورهم… خرفان مساكين..
توقّفت عند ذلك المنظر..
ألا يدرك أنهم أرواح ترى وتشعر؟؟؟
ألم يعلم بأنّه يؤدي ذلك الفرض السماوي بشكل غير لائق أبداً؟
هكذا كان حال جميع الجزّارين وحال خرفان العيد في ذلك النّهار المليء بالدّماء.

رغم أنّه يوم مبارك لكنّني حزنت لحالهم جدّاً 🙁
بدأت رسائل الواتس أب والصّور والفيديوهات والمعايدات تتكاثر في هاتفي حتّى أصابه الجمود
لا أدري هل هذه التّكنولوجيا أصبحت نعمة أو نقمة في هذا اليوم.. فالجميع صار يستصعب رفع سمّاعة الهاتف والمعايدة ويستبدلها بعبارات مكتوبة مسبقاً خالية من بهجة هذه الأيّام الّتي كنّا ننتظرها بفارغ الصّبر لجمال طقوسها.
تكبيرات العيد تهلهل على المسامع طوال اليوم
والنّاس منشغلون بذبح وتوزيع الأضاحي..

****

بقلم: سارة تتّان.

تصميم غرافيك: ديمة عدل.

****

واقرأ أيضاً في حبر خيال:

حامل

رمضان على طريقة زرقاء اليمامة

دليفري مع الحمام الزاجل

طبيب أسنان

فراغ عاطفي

****

تابع حبرنا عبر

twitter    instagram   facebook

التعليقات غير مفعلة