• الثّقافة الدّينيّة - حبر أون لاين

مفهوم الثّقافة الدّينيّة وحضوره في الأدب

عندما تغيب الإنسانيّة يفقد الإنسان تديّنه بالعقل
يقول وودرو ولسن

الدّين فلسفة الحياة ونفس الإنسان تتغذّى به من دون أن تشعر، فالدّين غريزة إلهيّة تتكوّن داخلنا، فإمّا سبيل نتقدّم به أو عائق يقف حاجزاً في سبيل تطوّر فكرنا الثّقافي.

فمفهوم الثّقافة قد يتعارض مع مفهومنا الدّيني، وقد تختلط علينا بعض السّبل الّتي تؤدّي إلى مفارق قد نكسر بها ثقافتنا الدّينيّة.

فالدّين هو الإقرار بكلّ ما نؤمن به والاعتراف بوجدانيّته الإلهيّة.

قال باروخ اسبينوزا:

إذا كان هناك شخص جاهل تماماً بالكتب المقدّسة ومع ذلك يملك رأياً صحيحاً ومنهجاً أدبيّاً سليماً في الحياة فإنّه قطعاً يكون مباركاً.

حضور مفهوم الثّقافة الدّينيّة في الأدب

ومن هنا فقد قدّم لنا الأدب مواضيع عرضت بعض تلك النّقاط بشكل يتناسب فكريّاً مع عقولنا.

ولكي نغوص في نمط الثّقافة الدّينيّة الحقيقيّة كان لنا لقاء مع تلك الرّؤى الّتي ناقشت ثقافتنا بشكل بسيط وسلس.

فقد عرضت الكاتبة حلا المطري رواياتها في نطاق سلس يصل إلى جميع العقول.

وفي روايتها “عرايا الرّوح” صور شبابيّة لعقول ثقافيّة منها ما كان يُستدلّ به على معنى للمفهوم الثّقافي الدّيني الّذي يتناسب مع عقيدته.

ونلتقي فيها مع من يسبح في تيّار الحياة المرفّهة وقد تلاشى عنده مفهوم التّديّن الثّقافي، وعندما بحث عنه لم يبحث سوى في منزل عتيق متمسّك بتلك القيم، فهنا نجد تناقضاً بين الفكر والتّعايش معه.

فكما قالت الكاتبة: الجبروت صفة إلهيّة، ولكن حين يصبح الإنسان جبّاراً ذات يوم فإنّه يصبح جبّاراً بعد حروب طاحنة.

وتلك الحروب هي محاربة تلك الثّقافات الّتي قذفت بنا إلى مفاهيم غريبة، ولكنّ تعايشنا معها أدّى إلى تسريب خاطئ لها، وتمسّك كلّ منّا بعقيدة ظنّاً أنّه مؤمن بها، ولكنّنا في النّهاية نضع أيدينا على دينٍ واحد.

“فلو كلّ المنتمين إلى الدّين بلغوا منتهاه وأدركوا لبّه لما كان في الأرض غير دين واحد “ميخائيل نعيمة”.

والسّؤال لكلّ قارئ متديّن كان أو لا، إن كان متمسّكاً بتديّنه أو بعقيدة ما. 

ألا تظنّ أن عقيدتك هي العقيدة الأفضل وأنّها خير عقيدة؟ فأخبرني كيف علمت ذلك؟

هل كنت بالوعي الكافي لتطّلع على العقائد والأديان لتختار منها ما يناسبك؟

لقد عزمت أمرك على أنّك الأصح، وتركت باقي الطّرق، وهاجم عقلك من يقف أمامك، ونسيت أنّ الدّين بلا عقل لا فائدة منه، فأخبرني على أي أساس أنت تعلم دينك أو عقيدتك؟

قال “جرجي زيدان”:

الدّين لا يُشترط فيه التّسلسل من أب واحد كجامعةٍ النّسي، ولا الإقامة في بلد واحد كجامعةٍ الوطن، ولا التّكلّم بلسان واحد كجامعة الّلغة، وإنّما يكفي فيه الإيمان بمعبود واحد.

ولهذا فإنّ مفهوم الثّقافة الدّينيّة قد اعتدنا عليه عن طريق التّماشي وراء العادات وليس المفردات الدّينية أو قواعدها، أو أصولها المدروسة.

فكانت النّتائج أنّنا تمسّكنا بالمسمّى الدّيني بعيداً عن تطبيقه أو تطبيق ثقافته، وتمّت نشأة أجيال على مفاهيم تعالى بداخلهم تخويف من التّديّن أو دراسة ثقافته والتّعرف عليه عن قرب.

سمحت لنا ثقافتنا بالتّطلّع الفكري والموازنة بين الفكر العام والفكر الديني، وأن نترابط تحت راية التّوحيد.

ولكنّنا تجاهلنا تلك الثّقافة تخوّفاً من التّعقيدات الّتي عرضها البعض وابتعدنا عنها، ونشأ داخلنا اعوجاج ثقافيّ نبذه عقلنا وابتعدنا عنه.

ومزجنا بعض الأعراف الاجتماعيّة بتطبيق المفهوم الدّيني بلا وعي ولا دراسة، بل فعلنا ما هو أسوأ من ذلك من تفرقة جنسيّة ونوعيّة أدّت إلى انقسامنا إلى جبهتين.

فالدّين ولو ضعف بنظر العقل إلّا أنّه يٌقوم اعوجاج الشّعوب ويمنعها من الوقوع في الهمجيّة.

فكيف انساق عقلنا إلى هذا التّدنيّ من الفكر، وابتعدنا عن ثقافتنا الدّينيّة وتمسّكنا بهوامش ما تعلّمناه، ورفعنا سيوفنا باسم التّديّن وقتلنا واغتبنا! كلّ هذا ونحن على طهارة الشّهادة.

“إنّ عناية الرّب السّامية والشّاملة لجميع الكائنات تعمر النّفس بروح الدّين بواسطة العقل، وتفعم القلب بالنّعمة، لا بالسّيف والقوّة أو التّهديد وإلّا لبات الدّين رعباً وطغياناً”

كثير من الأدباء أنشأ رابطاً فكريّاً ودينيّاً بين المفهوم الأدبي والتّديّن، وعرضت الكتب لقضايا نادت بها المجتمع لينظر إلى الثّقافة الدّينيّة بزصفها أصولاً تربويّة وفكريّة محايدة وليست عقيمة.

وما نادى به بعض الفلاسفة في وجدانيّة تلك الثّقافة ما هو إلا تمرّد فكري بحت عارض بعض الأفكار الفلسفيّة والحياتيّة.

فخلط البعض الثّقافة الدّينيّة كونها عائق فكري، وما هو خلاف ذلك أنّها داعم فكريّ قويّ ولا محالة من البعد عنه ودراسته دراسة حقيقيّة تساعدنا على النّمو الفكري السّليم.

“فمن يهدم ديناً يهدم أساس كلّ جماعة بشريّة فكما التّديّن هو أساس بناء اجتماعي سليم، فالعقل هو أساس تثبيت هذا التّديّن.

****

إعداد: شيريناز مجدي “شيرين رضا”

تدقيق لغوي: نور رجب.

تصميم غرافيك: ديمة عدل.

****

واقرأ أيضاً في حبر أدب:

ما السّرّ وراء رواج كتب التّنمية البشريّة ؟

ترانيم في كواليس الحرف .. قراءة لمجموعة خواطر ” تقوى مليّس “

مصطلحات الفلسفة الوجوديّة ومارتن هايديجر

جبران ومي.. الحب الصوفي السّامي

أحمد خيري العمري.. مزيج من الإبداع بلمسة راقية

أوراق نضرة.. نماذج من شعر الهايكو بين أصله الياباني وحضوره العربي

فضيحة تؤجّل جائزة نوبل للآداب لهذا العام

التّبراع .. مذهب الموريتانيّات في الحبّ

طفل الرّماد .. قراءات في نشأة شعر الهايكو الياباني وحضوره في الأدب العربي

جائزة البوكر للرّواية العربيّة .. أصلها ومن فاز بها

أديبات كسرن حاجز النّسويّة.. فكيف تجاوزن حاجز الأدب النّسوي

****

تابع حبرنا عبر

twitter    instagram   facebook

التعليقات غير مفعلة