تجلّيّات ثنائيّة الخير والشّر في رواية عدّاء الطّائرة الورقيّة

يوظّف الروائي الأفغاني الأصل خالد حسيني ثنائيّة الخير والشّر في رواية عدّاء الطّائرة الورقيّة من خلال تناول شخصيّتين رئيستين هما حسن وأمير.

يُفسح الكاتب المجال أمام بطله الأوّل أمير بأن يكون راوي الحدث كما يمنحه خاصيّة الولوج إلى عمق نفسه ليشرح ما يعتملها من مشاعر متناقضة على مرّ الوقت.

كما تلعب الأحداث الاجتماعيّة والسّياسيّة المحيطة دورًا في نموّ الصّراع بين الخير والشّر وتجليّه في أكثر من موقف وانتصار الأحقّ في النّهاية.

ملخّص لأحداث وشخصيّات رواية عدّاء الطّائرة الورقيّة

تتناول الرّواية الّتي تدور أحداثها في مدينة كابول في أفغانستان العلاقة بين طفلين يعيشان في بيت واحد، الأوّل أمير ابن أسرة ثريّة وتنتمي إلى عرقيّة ذات مكانة وأصالة (البشتون).

والثّاني هو حسن ابن خادم أسرة أمير (علي) والّذي ينتمي إلى أسرة فقيرة تتبع لأقليّة طبقيّة تسمّى الهزّازة، وهي أقليّة مضطهدة ومنبوذة كما تشرح لنا الرّواية.

كان الطّفلين أصدقاء يمضون الوقت في الّلعب وقراءة القصص والمغامرات، إلّا أنّ أمير لم يكن يخلو من الأنانيّة وحبّ الذّات، في حين أنّ حسن كان لا يخلو من المحبّة والإيثار.

يشترك الطّفلان في أمور منها العمر فهما في عمر واحد، وكلاهما لا يملك أمًّا، فأمّ امير متوفّاة وأمّ حسن هاربة، وهناك اشتراك آخر بينهما تكشفه نهاية القصّة.

كما تسلّط الرّواية الضّوء على مسرح الأحداث السّياسيّة زمن انتهاء الملكيّة مرورًا بكلّ الفئات المتصارعة في أفغانستان بعدها. عدّاء الطّائرة الورقيّة

أمير .. الخطيئة والغرور.. مصيدة الشّرّ

برع الكاتب في جعل شخصيّة أمير تكشف أعماق روحها وتعرف مكامن الشّرّ فيها وتسرد للقارئ كلّ ما حدث مع توضيح الحالة النّفسيّة لأمير وقتها.

فشخصيّة أمير حملت في الطّفولة صفات من الأنانيّة وحبّ الذّات ورؤية تفاخرها أو تفوّقها على حسن، كما عاش صراعًا في داخله غايته النّيل بثقة والده الّذي كان أمير يعتقد أنّه لا يفخر به لاختلاف بين اهتماماتهما، ولأنّه كان يرى من والده في مواقف كثيرة محبّة لحسن واهتمامًا به.

ظهرت أنانيّة أمير في مواقف كثيرة، منها استغلاله لجهل حسن بالقراءة ومعرفة معاني الكلمات والاستهزاء به، ومنها اعتبار نفسه كريمًا معه حين يعطيه لعبة قديمة أو مكسورة تعويضًا عن سخريّة ما.

وحين حصل حسن من والد أمير على عمل جراحي لعلاج شفته الأرنبيّة بلغ الحسد والحقد في أمير مبلغًا كبيرًا واستغرب استحقاق حسن في يوم ميلاده لهديّة كهذه من والده!

والحدث الأكبر الّذي وجّه دفّة الرّواية وزاد العمق في ثنائيّة الخير والشّر هو ما فعله أمير من تخليّه عن حسن في موقف كان يتعرّض فيه للاغتصاب.

ففي سباق المدينة للطائرات الورقيّة كان هدف أمير الفوز بالمركز الأوّل لنيل ثقة والده وفخره به، وفي نهاية المسابقة عدا حسن وراء آخر طائرة سقطت ليمسك بها من أجل أمير وعندما تبعه أمير وجد الطّائرة بيده ولكنّه محاط بآصف وأصدقائه وشهد واقعة اغتصاب حسن من قبل آصف مقابل أن يترك له الطّائرة.

هنا وقف أمير جبانًا في دفاعه عن حسن، وأسرّ لنفسه أنّ التّضحية بحسن مقابل الفوز بثقة أبيه أمر عادل وعاديّ، رغم أنّ حسن لم يوفّر جهدًا في إنقاذه من آصف في موقف سابق أراد فيه آصف ضرب أمير.

توّج أمير تخاذله وأنانيّته هنا في موقف لاحق، فهو لم يعد يحتمل وجود حسن أمامه وشعوره بالذّنب تجاهه فتدبّر مصيدة أوقع فيها حسن واتّهمه بالسّرقة ليكون سببًا في طرده ووالده من البيت.

ظنّ أمير أنّه بذلك تخلّص من هذا الذّنب ودفنه إلى غير عودة، ليُفاجأ به بعد ثلاثين عامًا يعود إليه، وتبدأ مع عودته رحلة التّكفير والتّطهير.عدّاء الطّائرة الورقيّة

حسن .. قوّة الخير .. لأجلك ألف مرّة ومرّة

من خلال قراءتنا لأفعال هذه الشّخصيّة نقع على عاطفة من المحبّة والخير غير المشروطة لدى حسن، فهو كان يحبّ أمير يصدق ويخلص له في قوله وفعله.

كان لا يغضب من سخريّته ويفرح بهديّته، ويمتنّ لقراءة أمير القصص وملحمة الشّاهنامة له رغم أنّ أمير كان يقرؤها له ليرضي شعور الغرور بداخله لا أكثر لأنّه يتفوّق على حسن بمعرفة القراءة.

دافع حسن عن أمير بعد محاولة آصف المغرور والحاقد ضرب أمير والاعتداء عليه رغم ضعف بنيته وحيلته أمامه لكنّه استخدم مهارته في النّبلة ليصدّ آصف عنه.

كان دائمًا ما يردّد على مسامع أمير عبارة “لأجلك ألف مرّة ومرّة” وكان ينفّذها قولًا وفعلًا، وكانت آخر عبارة قالها لأمير قبل أن يعدو خلف الطّائرة الورقيّة ويعود بها له ويخفي عنه أمر الاعتداء رغم وضوحه من الدّم النّازف منه وعم قدرته على المشي بسهولة.

رغم أنّ حسن كان فقيرًا لا يملك شيئًا وكان خادمًا ومنبوذًا لشكل شفته الأرنبيّة من جهة ولانتمائه الطّبقي للهزّازة من جهة أخرى، إلّا أنّه كان قادرًا على المحبّة والخير بصدق وعفويّة.

رحلة التّكفير وانتصار الخير

بعد سقوط الملكيّة والحرب في أفغانستان هاجر أمير مع والده إلى أمريكا وانقطعت أخبار حسن نهائيًّا، وتابع أمير حياته ودراسته ونجاحاته، ولكن دائمًا كان هناك شيء في داخله يمنعه من الفرح.

وبدأ الإحساس بذنبه يتعاظم في مواقف كثيرة، منها موقف حدّثته عنه زوجته أنّها كانت تملك خادمة أميّة تساعدها على قراءة رسائل أبنائها، ولكنّها علّمتها القراءة والكتابة حتّى غدت تكتب وتقرأ بنفسها.

ذكّره الموقف بنفسه، فما حدّثته عنه زوجته من سعادتها بأنّ الخادمة صارت تقرأ بفضلها، قابله هو في صغره بالتّعالي على حسن وفرحته بجهله وسخريته منه في مواقف كثيرة، فهو لم يفكّر يومًا بتعليم حسن القراءة.

وبعد أعوام طويلة يتلقّى أمير اتّصالًا من صديق والده (رحيم خان) يطلب رؤيته ويقول له: “ثمّة طريقة لتعود صالحًا من جديد”.

وهنا بدأت رحلة التّكفير ومقابلة الشّر بالخير، فقد علم أمير من رحيم أنّ حسن وزوجته قُتلا من قبل الطّالبان وبقي طفلهما (سهراب) وهو بحاجة لمن ينقذه من أفغانستان.

كما أخبر رحيم أمير أنّه يعرف بحادثة الاغتصاب فقد أخبره حسن، وتفاجأ أمير بأنّ حسن كان يعرف أنّه رآه ولم يخبره أو يعاتبه، كما أخبره بأنّ حسن تعلّم القراءة وقرأ الشّاهنامة وعرف كلّ ما كان أمير يغيّره في الأحداث مستغلًّا جهله.

قرّر أمير بعد تفكير طويل أنّه فعلًا يجب أن يعود إلى أفغانستان وينقذ سهراب، وعاد وواجه في رحلته الكثير من المصاعب والمتاعب ولكنّه شيئًا فشيئًا كان يشعر بالرّاحة.

المصادفة أنّ (سهراب) وقع في يد آصف الّذي تحوّل من شيوعي إلى زعيم طالباني ولكنّه لم يتخلّى عن شذوذه، وفي معركة دامية بين آصف وأمير كان وقعها الجسدي كبيرًا على أمير أحسّ مع كلّ نقطة دم نازفة أنّه يتعافى من ذنبه. عدّاء الطّائرة الورقيّة

وكما دافع حسن سابقًا عن أمير، دافع هنا سهراب عنه بالنّبلة ذاتها وفقأ عين أمير وهربا معًا، ومرّا بظروف كثيرة أثبت خلالها أمير صفاء نيّته ومحبّته لسهراب، إلى أن انتهى المطاف به أن يقول لسهراب الّذي أراد الحصول على طائرة ورقيّة أسقطاها معًا “لأجلك ألف مرّة ومرّة”.

كما عمل أمير بعدها في أكثر من مجال خيري مع زوجته وكان سهراب تعويضًا لهما عن عدم الإنجاب ليكون طفلهما ويرعاه هو بعد أن ظلم أباه.

رواية عدّاء الطّائرة الورقيّة يمكن اعتبارها عملًا دراميًّا وروائيًّا غنيًّا على الصّعيد النّفسي والاجتماعي والسّياسي، برع الكاتب في حبكة الأحداث واستغلال الفضاء الزّماني والمكانين وإن كان يؤخذ عليه الاسترسال في الوصف بشكل مبالغ فيه.

تمّ إنتاج الرّواية في فيلم سينمائي نال شهرة واسعة ولكنّه لا يغني عن الرّواية وإن كان ينقلها بأمانة وتصوير رائعين.

****

إعداد وتدقيق: نور رجب.

تصميم غرافيك: فريق حبر غرافيك.