• ذكريات - حبر أون لاين

حياتنا ذكريات

ذكريات .. تأخذنا الأيّام لأشياء مررنا بها لنشعر بأنّنا نعيشها من جديد، ينتابنا نفس الدّفء أو نفس الدّموع أو نفس الغصّة، أشياء تجعلنا نتذكّر أموراً أو أناس نحن في غنىً عنهم. ولكنّ الأيّام هي الّتي تجعل تلك الأمور تبدو وكأنّها اليوم.

في الكثير من الأحيان نشتمّ روائح تذهب بمخيّلتنا الصّغيرة إلى أيّام قد نكون قضينا فيها أجمل مراحل حياتنا أو أفضلها على الإطلاق.

هي مجرّد رائحة فكيف لها أن تذهب بعقولنا إلى أيّام قد عشناها ونحن لا ندري أنّ تلك الأيّام سوف تُرجعنا إلى ذلك اليوم بمجرّد رائحة..

نعم هو العطر يأخذنا لتذكُّر أشخاص غابوا عنّا وأصبحوا من قائمة المنسيّين ربّما كانوا أصدقاءً أو أحبابًا، ولكن بعطرهم استرجعنا أجمل الذّكريات الّتي جمعتنا بهم، وأجمل المواقف الّتي بها مر ذلك اليوم بشكل رائع..

هناك أيضاً رائحة شعائر دينيّة تفرض علينا أن نعيشها كلّ سنة، ويستوجب علينا تذكُّرها حتّى وإن ادّعينا نسيانها، لكنّها تُذكَر حتّى لو لم نعشها في نفس البيت أو حتّى لو غاب عنها أناس كانوا في العام الماضي حاضرين.

فيجرّنا الحنين إلى رمضان والإسراع لإعداد طاولة الإفطار رغم التّعب والضّجر الّذي يكون في داخلنا ونحن نعدّها.

ولكن في النّهاية يُسجّل ذلك اليوم في ذاكرتنا لكي نتذكّره في العام المقبل ونبتسم إن كانت نفس الصّورة تتكرّر مع نفس الوجوه وعلى نفس الطاولة، ونبكي في صمت إن كان أحدهم مكانه غير موجود، فنحدّق في ذلك المكان ونودّ لو نصرخ في كلّ لحظة ننظر فيها إليه..

نعم هي رائحة يا سادة..

رائحة ترسّخ فينا ما لم نسعَ إلى ترسيخه، تحبّبنا في روتين حياتنا، وتتركنا متمسّكين فيه حتّى لا نفقده ونتذكّر أيّاماً كانت في السّابق أروع ما يكون قد مضى من حياتنا دون أن نشعر بقيمتها..

** حياتنا ذكريات **

حاولت ذات يوم أن أستغني عن جميع الذّكريات السّلبيّة، ذكريات قيّدت أضلعي حاولت أن ألملمها وأتركها تذهب أدراج الرّياح.

في نفس الّلحظة وأنا أفكّر في هذا الأمر تراجعت عن قراري وقررت أن أُبقي عليها، فلولاها لما كنت أنا، ولما تعلّمت بأن وراء كلّ عسر يسر.

لما تعلّمت بأن أيّام الحزن والفقدان ستذهب لا محالة، وسأرجع إلى النّقطة الّتي توقّفت عندها أي سأكمل ما بدأت مهما كانت حالتي النّفسيّة في ذلك الوقت..

تنفّست الصّعداء لكنّ الرّيح التي دخلت جوفي لم أستطع إخراجها، توقَّفت داخلي وخنقتني، هي ريح ليست نابعة من أوكسجين الأشجار، بل هي ذبذبات صوت أناس استنشقتها وعشت بها وكادت أن تقتلني. عانيت كثيراً فكّرت طوال الّليل والنّهار، وأصبحت مبرمجة على تلك الأحاديث، أدّعي أنّها لا تؤلمني، لكنّها تدخل إلى جسمي وتكسر بداخلي أشياء حبّذا لو أستطيع ترميمها أو استرجاعها في يوم من الأيّام.

لنرتقِ بذكرياتنا بعض الشّيء ونبتعد عن أي أمر يحصرنا بين الماضي والحاضر والمستقبل، فالماضي هو جزء منّا وهو تاريخنا، ومن العيب أن يكون الإنسان دون تاريخ.

فوجه الشّبه بينه وبين البلاد واضح؛ فالبلد الّتي لا تحمل إرثًا حضاريًّا ترى شعوبها مهّمشين من طرف البلدان الأخرى الّتي سعت إلى ترميم ماضيها وصيانته من أي تدنيس..

أمّا الحاضر فوجب علينا أن نعيشه بكلّ دقائقه السّتّين وساعاته الأربع والعشرين.. أمّا المستقبل فسيكون ماضٍ في يوم من الأيّام..

** حياتنا ذكريات **

هكذا تمرّ علينا السّنون ونحن في غيبوبة من أمرنا متّكئين على الكرة الأرضيّة، تاركين لها المجال بأن تدور بنا لترينا نهارها وتأخذنا في نوم في ليلها.

تفرض علينا أن نعيش بين التّناقض، الأبيض والأسود، الحزن والفرح، الحياة والموت، وما أصعبه من تناقض..

هناك تناقض آخر يأتي علينا ويذهب نعيشه ولا ندري، يسمّى تناقض الفصول، يرينا الصّيف حرارته الشّديدة.

ويتلوه الخريف بأوراقه المتناثرة هنا وهناك، يتقلّب تشرين في جوّه المشمس والغائم والممطر ليمهّد لشتاء قارس من الثّلوج والصّقيع والبرد.

يركض الكلّ إلى وكره ويبقى من لا وكر له في برد الشّتاء ليتخلّص منه، ولكنّ الشّتاء لا يمكن أن يكون غير ذلك، ولا يمكنه أن يتحوّل إلى برد دافئ.

هنا نخرج من دائرة التّناقض ونلقي على الطّبيعة السّلام لأنّها تبقى كما هي رغم تألّم بعض البشر منها..

نستطيع القول أخيراً بأن حياة كلّ إنسان فيها ذكريات راسخة في الذّهن هي التي تكوّن له شخصيته، لو تصوّرنا أنّ أحدًا منّا فقد ذكرياته في حادث أو ما شابه فهو بذلك فقد ماضيه.

وهو بعد الحادث سيعيد بناء ما تمّ هدمه فسينطلق من جديد، سيتعرّف على المقرّبين إليه، سيشعر بأنّه غريب عن هذه الحياة.

لربّما يرتاح من ذكريات كانت تتصارع في فكره، ولكنّه سيفقد كذلك ذكريات عاشها ولن تعود، لذا يجب أن نحافظ على الذّكرى، ننفض عنها الغبار عندما نتحدّث عنها، نجدّدها لكي لا تتكرّر إن كانت خاطئة فنتعلّم منها ولا نتركها تُعلّم فينا..

****

إعداد: خولة قريبي.

تدقيق لغوي: نور رجب.

تصميم غرافيك: فريق حبر غرافيك.

****

أحدث المقالات في حبر مهارات:

2019.. كيف نخطّط للعام الجديد؟

كيف ستكون حياتنا خارج أسوار وسائل التّواصل الاجتماعي

استراتيجيّة البساطة .. سرّ الحياة النّاجحة

كيف تختار تخصّصك الجامعي.. ارسم هدفك بدقّة

ماذا بعد التّخرّج ؟؟!

****

تابع حبرنا عبر

twitter    instagram   facebook

التعليقات غير مفعلة