تعرف على أرقام البعد الرّابع الّتي أدّت إلى الجبر الحديث
البعد الرّابع والجبر الحديث .. عرف علماء الرّياضيّات منذ فترة كيفيّة تمثيل هذا الدّوران كتضاعف بسيط: رقم يمثّل الوضع البدائي لسطح السّاعة مضروباً بعدد ثابت آخر.
ولكن هل من الممكن استخدام خدعة مشابهة لوصف التّناوب عبر الفضاء؟
العقل العام يقول نعم، لكن ويليام هاملتون، أحد أكثر علماء الرّياضيّات بروزاً في القرن التّاسع عشر، عمل لأكثر من عشر سنوات للعثور على وصف التّناوب في ثلاثة أبعاد في الرّياضيات.
وأدّى الحلّ غير المحتمل إلى ثلث أنظمة الأرقام الأربعة فقط الّتي بقيت أقرب من الحساب المعياري وساعدت في تقدم الجبر الحديث .
تشكّل الأرقام الحقيقيّة أوّل نظام من هذا النّوع، أي سلسلة الأرقام الّتي يمكن ترتيبها من الأصغر إلى الأكبر، والأعداد الحقيقية تشمل الأعداد الّتي تعلّمناها في المدرسة، مثل 2.7- ، (5)2 و 42.
عثر علماء الجبر في عصر النّهضة على نظام ثانٍ من الأرقام الّتي يمكن أن تضاف، تطرح، تضرب وتقسّم عندما أدركوا أنّ حلّ معادلات معيّنة يتطلّب رقماً مختلفاً i ، لكن هذا الرقم لم يكن مناسباً في أي مكان على مستقيم الأعداد الحقيقية.
لذلك اتّخذوا أوّل خطوة إلى مستقيم ” المستوي العقدي” حيث أنّ الأرقام الّتي تدعى “تخيليّة” مثل الأحرف الكبيرة مع أرقام الألعاب في فضاء هذا المستوي، فتمثّل “الأعداد المركبة” المستقيمات الّتي يمكنك تحريكها مع الجمع والطّرح أو الدّوران والتّمدّد مع الضّرب والقسمة.
هاميلتون، عالم الرّياضيّات الأيرلندي والّذي يدعى “هاميلتوني” يعمل في الميكانيكا الكلاسيكيّة والكميّة، كان يأمل في الخروج من المستوي المركّب بإضافة محور j التّخيّلي.
لكن كان هناك شيء من ثلاثة أبعاد هدم كلّ النّظام الّذي كان يفكّر به هاميلتون.
قال جون بايز، عالم رياضيات في جامعة كاليفورنيا ريفرسايد : “لا بدّ أنّه قام بتجربة ملايين الأشياء ولم يجد الإجابة في أي منها”.
كانت المسألة في عمليّة الضّرب على المستوى المركّب، فالضّرب يؤدّي إلى عمليّة التّناوب، وبغض النّظر عن كيفيّة محاولة هاملتون
لتعريف الضّرب في الأبعاد الثّلاثيّة فإنّه لم يتمكّن من العثور على قسم متعارض فدائماً ما كان يقدّم إجابات ذات معنى، ولم يتمكّن من إيجاد تقسيم عكسي وكانت الإجابات منطقيّة دائماً.
ولمعرفة ما الّذي يجعل الدّوران ثلاثي الأبعاد أكثر صعوبة، قارن بين دوران عجلة ومحور دوران الأرض، فوجد أنّ جميع النّقاط تتحرّك معاً بنفس الطّريقة، بحيث يتمّ ضربها بنفس الرّقم (العقدي).
ولكنّ النّقاط على الكرّة الأرضيّة تتحرّك أسرع حول خط الاستواء وأبطأ كلّما تحرّكت شمالاً أو جنوباً، كما نعلم أنّ القطبان لا يتغيّران إطلاقاً؛ فإذا كان الدّوران ثلاثيّ الأبعاد يعمل مثل الدّوران ثنائي الأبعاد فإنّ كلّ نقطة سوف تتحرّك كما قال بايز.
الحلّ الّذي نحته هاميلتون على جسر بروم في دوبلين في 16 أكتوبر عام 1843 كان لجذب العالم إلى فضاء كبير حيث إنّ إصدارات الدّوران أكثر ممّا هي عليه في البعدين.
وبوجود ثلاثة محاور تخيّليّة i ,j,k بالإضافة إلى مستقيم العدد الحقيقي a ، تمكّن هاملتون من تعريف أرقام جديدة تشبه متّجهات البعد الرّابع وسمّاهم ” الكواترنيونات ” وبحلول الّليل رسم هاملتون خطّة لتدوير المستقيمات ثلاثيّة الأبعاد.
لقد أظهر أنّه يمكن اعتبارها كواترنيونات مبسّطة تمّ إنشاؤها من خلال وضع ، a الجزء الحقيقي، مساوياً للصّفر والحفاظ على العناصر التّخيليّة فقط i ، j و k – الثّلاثي الّذي اخترع له هاميلتون كلمة “متّجه”.
وتدوير متّجه ثلاثي الأبعاد يعني ضربه بزوج من الكواترنيون الرّباعي الأبعاد حيث تكون درجة دورانه واتّجاهه معلومان .
لرؤية تضاعف الكواترنيون شاهد الفيديو
كلّ العمليّات الّتي تطبّق على الأعداد الحقيقيّة والمركّبة يمكن تطبيقها على الكواترنيونات باستثناء فارق واحد يتعلّق بترتيب الضّرب الكواترنيوني.
إذ لم يصادف علماء الرّياضيّات هذا الأمر من قبل، بالرّغم من أنّه يعكس كيفيّة تدوير الأشياء يوميّاً، جرّب أن تضع هاتفك مواجهاً لسطح مستوٍ على سبيل المثال وقم بتدويره 90 درجة إلى اليسار ثمّ وجهّه بعيداً عنك ولاحظ اتّجاه نقاط الكاميرا.
عد إلى الوضع الأصلي ووجّهه بعيداً عنك أوّلاً ثمّ وجّهه إلى اليسار، ستلاحظ أنّ نقاط الكاميرا تشير إلى اليمين.
هذه الخاصيّة المزعجة في البداية، والمعروفة باسم غير التّبادليّة، تبيّن أنّها ميزة تتقاسمها الكواكب مع الواقع، ولكنّها شكّلت خللاً في نظام الأرقام الجديد أيضاً.
بينما جهاز الجوّال يدور في 360 درجة فإنّ الكواترنيون الّذي يصف هذا الدّوران بزاوية 360 درجة لا يتعدّى 180 درجة في الفضاء الرّباعي الأبعاد وتحتاج إلى دوران كامل للهاتف أو السّهم لإرجاع الكواترنيون المقترن إلى حالته الأوّليّة.
فالتّوقّف بعد دورة واحدة يترك الكواترنيون مقلوباً بسبب طريقة تربيع الأرقام التّخيليّة إلى–1.
ولمعرفة كيفيّة حدوث ذلك ألقِ نظرة على المكعّب الدّائري في الفيديو ستلاحظ أنّ دوراناً واحداً يجعله ينحرف عن النّطاق التّابع له في حين أنّ الدّوران الثّاني يدور بسهولة، والكوانترنيونات تسلك نفس الطّريقة تقريباً.
وتُنتج المستقيمات المنحدرة رأساً على عقب علامات سلبيّة زائفة يمكن أن تسبّب خسائر في الفيزياء، لذا وبعد حوالي 40 عاماً من تخريب جسر هاميلتون ذهب الفيزيائيّون إلى الحرب مع بعضهم البعض لمنع نظام الكوانترنيوني من أن يصبح معياريّاً.
وقامت العداوات عندما قام الأستاذ في جامعة “ييل” ويدعى “يوشيا غيبس” بتعريف المتّجه الحديث؛ إذ سبّب تحديد البعد الرّابع مشكلة فوقف غيبس في وجه هاملتون وتخلّص من المصطلح، وقام بتدوين الرّموز i,j,k ،
وقام بتجزئة القاعدة غير العمليّة لمضاعفة الكواترنيون إلى عمليّات منفصلة لضرب المتّجهات الّتي يتعلّمها طلّاب الرّياضيّات والفيزياء اليوم: الشّكل والتّقاطع النّاتجان.
وانقسمت الآراء حول ذلك طلّاب هاملتون وصفوا النّظام الجديد بأنّه ضخم جدّاً، بينما محبّي المتّجهات رأوا أنّ الكواترنيون نظريّة محيّرة ورديئة.
واحتدمت النّقاشات لسنوات في صفحات المجلّات والكتّيّبات، ولكن سهولة الاستخدام دفعت المتّجهات في النّهاية إلى الفوز،
فضعُف الكواترنيون في ظلّ المتّجهات، إلى أن كشف ميكانيكيّو الكم عن حقيقتها في 1960 .
ففي حين أنّ 360 درجة العادية تكفي لتدوير الفوتونات وجزيئات القوّة الأخرى بشكل كامل، تأخذ الإلكترونات وكلّ جسيمات المادّة الأخرى دورتين للعودة إلى حالتها الأوّليّة.
كان نظام هاملتون يصف ذلك بأشعّة غير موجودة والّتي تُعرف الآن باسم ” سبينورات” .
ومع ذلك لم يعتمد الفيزيائيّون أبداً على ترابطات في حساباتهم اليوميّة؛ لأنّه تم العثور على مخطّط بديل للتّعامل مع الألغاز استناداً إلى المصفوفات.
في العقد الماضي شهدت الكواترنيونات نهضة كبيرة، فبالإضافة إلى اعتمادها على الرّسوم البيانيّة على الكمبيوتر أصبحت تعمل أداة فعّالة في حساب التّناوب، ونَشُطَت في هندسة السّطوح مرتفعة الأبعاد.
يحتوي أحد الأسطح والمعروف باسم ” هايبركيلر” على ميزة مهمّة جدّاً، تسمح لك بالتّنقّل بين المتّجهات والمجموعات ومجموعات السبينورات .
بما أن المتّجهات تمثّل جزيئات القوّة بينما تمثّل الجينات جسيمات المادّة فإنّ هذه الخاصيّة تعتبر محطّ اهتمام بالغ للفيزيائيّين الّذين يتساءلون ما إذا كان التّناظر بين المادّة والقوى، ويسمّى التّناظر الفائق، موجوداً في الطّبيعة.
(ومع ذلك، إذا حدث ذلك، فإنّ التّناظر يجب أن ينكسر بشدّة في كوننا).
أمّا بالنّسبة للرّياضيّين، فإنّ الكواترنيونات لم تتأخّر في الظّهور؛ فحالما اخترع هاملتون الكواترنيونات قرّر كلّ شخص تشكيل أنظمة أرقام خاصّة به.
وكما قال بايز: “كان معظمهم عديم الفائدة، لكن في النّهاية استدلّوا إلى ما نفكّر به حاليّاً مثل الجبر الحديث”.
فاليوم يدرس علماء الجبر المجرّد مجموعة واسعة من أنظمة الأعداد في أيّ عدد من الأبعاد ومع جميع أنواع الخصائص الغريبة.
وتحوّلت بنية واحدة لتكون نظام الأرقام الرّابع والنّهائي الّذي يسمح بالضّرب المتناظر والقسمة المترابطة في الجبر ، والّذي تمّ اكتشافه بعد وقت قصير من اكتشاف الكواتنرنيونات من قبل صديق هاملتون جون غريفز.
يشكّ بعض علماء الفيزياء في أنّ هذه “الثُّمانيّات” الثّمانية الغريبة قد تلعب دوراً هاماً في الفيزياء الأساسيّة.
ويقول نايجل هيتشن وهو اختصاصي بعلم الهندسة في جامعة أوكسفورد: “أعتقد أنّه لا يزال هناك الكثير ممّا يمكن اكتشافه حول الهندسة القائمة على الرّواسب”، وذلك إن أردت الوصول إلى أقصى ما توصّل إليه العلم، وإذا كنت تريد حدوداً جديدة فعندئذ تكون الأوكتونات.
الأكتونات: (المثمانيات) هي نظام أعداد ثماني الأبعاد
السبينور: هي كائنات رياضيّة تشبه الأشعّة أو المتّجهات تغيّر إشارتها عند تطبيق دورة كاملة عليها.
****
رابط المقال بالّلغة الإنكليزيّة: هنا
****
ترجمة: ديمة غبّاش.
تدقيق لغوي: نور رجب.
تصميم غرافيك: ديمة عدل.
****
واقرأ أيضاً في حبر علوم:
DNA المضيء ودوره في الكشف عن البروتين السّكّري!
كيف تستخدم طريقة الأباكوس “المعداد” لتعليم الرّياضيّات للأطفال؟ الجزء 2
كيف تستخدم طريقة الأباكوس “المعداد” لتعليم الرّياضيّات للأطفال؟ الجزء 1
Terracotta Screens .. تقنية جديدة تخلق خمسة أبنية خياليّة
أروع مزيج .. خليط من سحر العمارة مع متعة التّسوّق
ما لا تعرفه عن الكاسرات الشّمسيّة
****
تابع حبرنا عبر