• جوهر العمارة - حبر أون لاين

جوهر العمارة .. وأسئلة حيّرت الكثيرين حوله.. هل هو علم أم فن؟

العمارة علم أم فن؟؟

        سؤال محيّر يختلف الكثيرون في الإجابة عليه، ومن الصّعب جدّاً أن نجد آراء متّفقة في هذا الموضوع.

ويرى معظم النّاس أنّ المهندس المعماري هو مجرّد رسّام، وسنواته الّتي يقضيها في الجامعة لا يفعل فيها شيئاً سوى الرّسم والتّلوين، وبالتّالي فإنّ صفة المهندس لا تليق به فهو فنّان.

        وعدد قليل يرونها علماً وقوانين وأسساً مدموجة بلمسة فنّيّة، وبالتّالي فالمعماري هو مهندس بكلّ ما تحمله الكلمة من مفهوم أكاديمي وعلمي.

أمّا من تبقّى من النّاس فهم الضّائعون بين المفهومين.

        ولذا لابدّ من تسليط الضّوء على العمارة والبحث في مفهومها العميق، لنتمكّن من تحديد ماهيّتها، ونستوضح جوهرها الحقيقي.

        في الحقيقة العمارة هي مزيج مميّز بين العلوم والفنّ وعندما نقول:

“إنّها مميّزة “، فنقصد بذلك أنّها مميّزة في مفهومها، ومميّزة كعلم وكفن أيضاً، وهنا قد يتبادر إلى ذهنكم سؤال طبيعي:

ما الّذي يجعل العمارة مميّزة؟

        العمارة هي من أقدم الحرف والاحتياجات الّتي لجأ إليها الإنسان من أجل تأمين مأوى له، يقيه من العوامل الطّبيعية والأخطار،

فبعد أن سكن في الكهوف بدأ يجري التّعديلات داخلها ليجعلها أكثر راحةً، ثمّ انتقل إلى مرحلة البناء،

فبدأ بحفر حفرة وسقفها، واستمرّت التّعديلات والتّطوّرات إلى أن اكتشف إمكانيّة بناء الجدران معتمداً على مواد أوّليّة بسيطة،

ثمّ بدأ بتطوير كلٍّ من طريقة البناء والمواد المستخدمة، واستمرّ التّطوّر حتّى وصلت العمارة إلى ما نراه اليوم ومازال التّطوّر مستمرّاٌ.

        إذاً فالعمارة هي وليدة حاجات إنسانيّة هامّة وهي الإحساس بالرّاحة والأمان، ومن دون هذين العاملين لا يمكن للإنسان أن ينجز مهامه،

وهذا ما يجعلها مميّزة في مفهومها، ومنشئها، وأهميّتها وارتباطها الوثيق بحياتنا اليوميّة.

        وإذا تكلّمنا عن العمارة كعلم، فهي علم يجمع في داخله كلَ العلوم الّتي تخطر قد تخطر في أذهانكم.

فالمهندس المعماري يجب أن يكون على دراية واسعة بالرّياضيات، العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، علم النّفس، الفلسفة، التّاريخ، الجغرافيا، المناخ والبيئة،

ويضاف على ذلك معلومات عن الهندسات المدنيّة والإنشائيّة والكهربائيّة والطّاقة، وحتّى التّمديدات الصّحيّة.

وكلّ هذه المعلومات والمعارف يجب أن تضاف إليها معرفته المتعمّقة بأصول وقواعد التّصميم السّليم الّذي يحقّق شروط الرّاحة للنّاس الّذين يستخدمون المبنى.

جوهر العمارة - حبر اون لاين

المعماري صاحب ثقافة موسوعيّة كبيرة

        وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ الهندسة المعماريّة لا تعني تصميم المباني فقط، بل تشمل تخطيط المدن وتصميم كلّ ما تحويه المدن من شوارع، أرصفة، حدائق وساحات،

وليس هذا وحسب بل تتدخّل أيضاَ في تحديد ودراسة محاور تطوير المدن والأقاليم والدّول.

أليس كلّ هذا العمق في العمارة يثبت أنّها علم مميّز وهام ومرتبط بشكل وثيق بحياتنا وتطوّرنا؟

         وليكون نتاج العمارة حضاري وإنساني فلا بدّ من إضافة الّلمسات الفنّيّة إليه،

فنحن لا نستطيع أن نتخيّل أنفسنا نعيش في أشكال مكعّبة متشابهة، فلا بدّ من أن يكون كلّ مبنى مميّز بتصميمه وألوانه.

وهنا تبرز روح المعماري فيضع أفكاره، مشاعره، أحاسيسه وروحه في التّصميم الّذي قد يستغرق أشهراً وربّما أكثر، حتّى يخرج ناضجاً موسوماً ببصمة صاحبه.

جوهر العمارة - حبر أون لاين

العمارة علم مميّز ومهم

        ولا يمكن أن تتخيّلوا عدد المرّات الّتي أعاد فيها المعماري صياغة أفكاره وترجمتها إلى رسومات، ولا عدد المرّات الّتي أعاد فيها تلك الرّسومات وأدخل عليها التّعديلات والتّطويرات، ولا عدد السّاعات والّليالي الّتي قضاها على مرسمه بين أوراقه وأقلامه أو حاسوبه المحمول،

وكلّ هذا الجهد من أجل أن يضع تصميماً يُدخل السّرور إلى قلب ناظريه.

جوهر العمارة - حبر اون لاين

المعماري يحتاج الوقت الكثير للإبداع في أعماله

        وهذا يقودنا إلى حقيقة واضحة كوضوح الشّمس هي أنّ العمارة فن عالمي لا يمكن تجاهله، بل هو حولنا أينما نظرنا، ويؤثّر فينا أكثر من باقي الفنون الأخرى،

فليس كلّ النّاس مهتمّون بفن الرّسم، أو النّحت، أو الموسيقا، أو السّينما والمسرح وغيرها، ولكن كلّ النّاس يهتمّون بالعمارة، وينجذبون لمشاهدة المباني الجميلة السّاحرة،

ويتمنّون العيش فيها أو زيارتها على الأقل. فمن منّا لم يحلم بزيارة الأهرامات، برجا إيفل وبيزا المائل، سور الصّين العظيم، القصور والقلاع؟

وهذا يعني أنّ التّصاميم المعماريّة يصعب تجاهلها في حين يسهل تجاهل أغنية ما أو لوحة أو فيلم.

        ونختم حديثنا بهذه النّصيحة: (في المرّة القادمة الّتي تقابلون فيها مهندساً معماريّاً أو طالباً لا تقولوا له: إنّ عملكم سهل وتقضون أوقاتكم بالرّسم فقط …) فلا يستطيع أحد أن يضمن ردّة فعله، فهذه العبارة كفيلة بإثارة جنون أيّ مهندس معماري.

إعداد: عبير الزّعيم.

تدقيق لغوي: نور رجب.

تصميم غرافيك: ميس شنن.

 

واقرأ أيضاً في حبر فن:

الأوريغامي !!.. هل سبق وعرفنا ما السّرّ وراء انتشار هذا الفنّ؟

 

تابع حبرنا عبر 

  twitter    instagram   facebook

التعليقات غير مفعلة