• الهايكو - حبر أون لاين

أوراق نضرة .. نماذج من شعر الهايكو بين أصله الياباني وحضوره العربي

دخل الهايكو إلى المشهد الثّقافي العربي مع التّرجمة وتناقل ثقافات الشّعوب، وهو ما زال في مرحلة الإرهاص الخجول، ولم تتكوّن ملامحه كاملة بعد ليصبح من ضمن الأجناس الأدبيّة المدروسة والمتداولة.

والهايكو عندما بدأ في اليابان اعتمد بشكل أساسي على السّمات التّالية:

  • الّلحظة الحاضرة المنعزلة عن الماضي والمستقبل.
  • بساطة المشهد الموصوف.
  • اعتماد القصيدة عل محاكاة الطّبيعة ووصف عناصرها.
  • المقاطع الصّوتيّة (17 مقطعاً).

وعندما وصل الهايكو إلى الثّقافة العربيّة وأدبها كان لا بدّ أن يخضع لمعايير الشّعريّة العربيّة، ورموزها وجماليّاتها.

فلغة تُكتب فيها المعلقّات والقصائد الطّوال الّتي تحمل من الكثافة الرّمزيّة والحكائيّة والارتباطات مع الماضي والحاضر لا بدّ أن تشي هذا الوافد الجديد بوشيها ليتناسب مع مبادئها ومع ثقافة المجتمع وذائقته عامّة.

فبدأ شعراء الهايكو العرب يحمّلون هذه القصائد الصّغيرة إيحاءات رمزيّة ويدخلون المشاعر والأحاسيس إليها.

كما لم تعد الطّبيعة وحدها العنصر الموجود في الهايكو العربي، واعتمد على تقديم حكمة أو عبرة من الحياة عامّة، ومن المواقف الّتي يتعرّض لها الإنسان في يوميّاته.

وسوف نستعرض بداية مجموعة من أشعار الهايكو الياباني المترجمة ونبيّن أهمّ معانيها:

(1)

كم يبعث على الإعجاب

ذلك الّذي لا يفكّر بأنّ “الحياة سريعة الزّوال”

حين يرى البرق!

(باشو)

نلاحظ أنّ باشو استحضر في مشهد البرق الّلحظي مشهداً آخر يماثله في السّرعة وهو انقضاء الحياة رابطاً بينهما برابط “الإعجاب” بمن لا يفكّر بانقضاء الحياة بسرعة.

إذ بإمكان ومضة برق أو رعد واحدة تملأ الكون بثوانٍ أن تنهي حياة إنسان، فنلاحظ حضور عنصر الطّبيعة وهو “البرق” في ومضة شعريّة تلخّص حكمة في الحياة.

(2)

الرّيح تجلب

قدراً كافياً من الورق

لإشعال نار

(رايكونن)

(3)

حبّ لا أعلن عنه

مرّة أخرى

تتراكم الثّلوج فوق جبال الثّلوج

(أوايدا)

يحضر عنصر الطّبيعة في القصيدتين السّابقتين ليعبّر من خلال خصائص كلّ من الرّيح بسرعتها وقدرتها على نقل الأشياء من أماكنها، والثّلوج بتراكمها وبرودتها عن عواطف إنسانيّة مختلطة بين الحبّ والانتظار والخوف.

(4)

كي أصطاد ذبابة

أصبت زهرا

بجرح

المعنى هنا يتجاوز المشهد الّلحظي لاصطياد ذبابة تقف على زهرة، فهو يحمل دلالة أبعد تشير إلى أنّنا من أجل شيء صغير وتافه في بعض الأحيان قد نؤذي شيئاً جميلاً.

ومن الهايكو العربي نقرأ:

(1)

أغصان الدّالية

تظلّل ركام منزلنا

ياللوفاء!

(لميس حسّون)

(2)

شاطئ رملي

كلّ ما أبنيه

يهدمه الماء

(سامر زكريّا)

(3)

الحياة ساعة رمليّة للموت

من سيقلب ساعة الوقت؟

يتسرّب رمل الرّوح ساخراً!!

(محمود الرّجبي، مجموعة “هذا الكون لي”)

(4)

الموج الّذي يثور داخله

عنفوان حياة

وتحطيم قيود

(د. جمال الجزيري، مجموعة “حكايات أراها خلف رموشي)

نلاحظ أنّ الهايكو العربي لا يعتمد كلّيّاً على وجود عنصر الطّبيعة في قصائده، لكنّه يركّز دائماً على وجود عبرة في ثنايا تعابيره.

فمحمود الرّجبي قدّم فكرة عن الموت والحياة مستعيناً بالسّاعة الرّمليّة وآليّتها بعيداً عن عناصر الطّبيعة.

بينما اعتمدت النّماذج الأخرى على عناصر الطّبيعة مثل الدّالية للدّلالة على الوفاء مهما كانت ظروف الحياة.

والشّاطئ الرّملي عبّر من خلاله الشّاعر عن البناء الواهي الّذي لا يتوخّى صاحبه معايير السّلامة والأمان في بنائه لا يلبث أن ينهدم.

والموج استغّل الشّاعر ثورته وقوّته ليعبّر عمّا يجيش في نفوس النّاس من عنفوان وقوّة.

والنّماذج تطول وتكثر وكلّها تشير إلى نمط شعري جديد سيكون له حضور مستقبلاً في الأدب العربي.

****

المصادر:

  • د. جمال الجزيري، حكايات أراها خلف رموشي، دار حمارتك العرجا للنّشر الإلكتروني، 2015.
  • محمود الرّجبي، هذا الكون لي، دار كتابات جديدة للنّشر الإلكتروني، 2016.
  • عبد القادر الجاموسي، مختارات من شعر الهايكو الياباني، دار كتابات جديدة للنّشر الإلكتروني، 2015.

****

إعداد وتدقيق: نور رجب.

تصميم غرافيك: ديمة عدل.

****

واقرأ أيضاً في حبر أدب:

طفل الرّماد .. قراءات في نشأة شعر الهايكو الياباني وحضوره في الأدب العربي

فضيحة تؤجّل جائزة نوبل للآداب لهذا العام

التّبراع .. مذهب الموريتانيّات في الحبّ

جائزة البوكر للرّواية العربيّة .. أصلها ومن فاز بها

****

تابع حبرنا عبر

twitter    instagram   facebook

التعليقات غير مفعلة